الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أدب الكتاب ***
يقال: زلف في قرابة يزلف فيها زلفاً إذا تجاوز من شيء إلى شيء. وهو في حق اللغة القرب مما تريد كأنه يقرب بذلك من القراع ما يريد قال العجاج: طي الليالي زلفاً فزلفاً *** سماوة الهلال حتى احقوقفا زلفاً فزلفاً بعد قرب، حتى عاد الهلال محقوقفا، وقال الله عز وجل: "وزلفاً من الليل" جمع زلفة، مثل غرفة وغرف والزلفة القرية كأنه يريد وقتاً بعد وقت من الليل يقرب هذا من هذا. وقال أبو عمرو الشيباني: المزالف ما قرب من المنازل من الأمصار مثل القادسية من الكوفة، والمحدثة من البصرة وله عندنا زلفة أي قربة قال عز وجل: "وإن له عندنا لزلفى". قال المفسرون: قربة. وقال تعالى: "وأزلفنا ثم الآخرين". يقال: فضضت الكتاب أفضه فضاً إذا نحيت عنه طينه وسحاته. وأصل الفض في اللغة التفرقة، كأنه فرق بين الكتاب وبين طينه وسحاته. وقال تعالى: "هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا". قال المفسرون: كلهم حتى تفرقوا. وحضرتني نادرة عند ذكر "حتى ينفضوا" ليست من الكتاب، حدثني يموت حدثني يموت بن المدرع قال: كان بالشام معلم رقيع طينه مشهور بشتم الصبيان، فقال: اقعدوا حتى تسمعوا، فإن كنت معذوراً وإلا فلوموا، قال: فقعدنا قرأ عليه صبي منهم: هم الذين يقولون لا تنفقوا إلا من عند رسول الله. فقال: كذبت يا ماص سلحه، أتلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم نفقة لا تجب عليه، وهو لا يملك مالاً؟ قال: فضحك. ثم قرأ آخر: عليها ملائكة غلاظ شداد يعصون الله ما أمرهم ولا يفعلون ما يؤمرون. فقال: يا ابن الفاعلة هؤلاء أكراد شهاد زور ليسوا ملائكة. قال: فضحك وضحكنا وقلنا ما نلومك بعد هذا. ومن الأول: لا يفضض الله فاك، أي لا يفرق الله ثناياك وأراد بالفم الأسنان. وانفض القوم تفرقوا. ويقال: فضضت ختام البكر افتضضتها قال الفرزدق. فبتن بجانبي مصرعات *** وبت أفض أغلاق الختام تقول: سحوت الكتاب اسحوه سحواً وسحيته أسحاه سحياً. والواو أكثر، وسحيت بالتشديد اسحي تسحية ومعنى سحيت قشرت. وسحاة القرطاس والجمع سحاء ممدود. وحكى بعض أهل اللغة أنه يقال: سحاة وسحاية ويقال: سحوت اللحم عن العظم إذا قشرته. وقال الأصمعي: الساحية من المطر التي تقشر وجه الأرض. وقال أعشى همدان: جرت به ذيلها غراء ساحية *** في يوم نحس من الجوزاء منخرق والمسحاة مشتقة من ذلك لأنها تسحو وجه الأرض. وإذا قال: سحيت الكتاب فإنما يريد جعلت عليه سحاة مثل عظاة وسحاية مثل عظاية. وما أحسن سحيتك للكتاب! أي أخذك سحايته. وإذا أمرت من سحوت قلت: اسح يا هذا ومن سحا سح يا رجل ومن سحيت سح وكتاب مسحي ومسحو. وإذا أخلق الكتاب فصار كالسحايا قيل: قد أسحى الكتاب فهو مسح. وكذلك إذا كان أخذ السحاية منه سهلاً. وإذا وضعت السحاية على الكتاب فقد سحيته وسحوته. وخزمته خزماً وكتاب مخزوم. والسحاية من هذا خزامة وجمعها خزائم والخزم الشد في كل شيء. يقال: تربت الكتاب تتريباً، ولا تقل: أتربت، فإذا أمرت قلت: ترب كتابك، ولا تقل أترب، اللهم إلا أن تقول: إن كتابه كثير التراب، فتقول: أترب بكتابك كما تقول: برد بطعامك، فإذا تعجبت من برده قلت: أبرد طعامك. وقد جاء في التراب لغات قالوا: تيرب وتوراب وقال اللحياني: تورب أيضاً وتراب وترب وأتربة وتربان وتربان ويقال هذه ترباء طيبة وتربة وترب. ويقال طينت الكتاب أطينه تطييناً، إذا جعلت عليه طين الخاتم. وتقول: طنت الكتاب أطينه طيناً، مثل زنته أزينه زيناً، ولا يقال: أطنت. فإذا أمرت قلت: طين كتابك وإن شئت قلت: طن كتابك من طنت أطين وما أحسن طينتك للكتاب! من هذا وكتاب مطين مثل قولهم: زت العجين فهو مزيت إذا ألقيت فيه زيتاً قال الشاعر: ولم يقفلوا نحو العراق ببره *** ولا حنطة الشام المزيت خميرها يقال: محوت الكتاب أمحوه محواً بالواو، فإذا أمرت من هذا قلت: أمح. وحكي محيت أمحى محياً. ومن أمثالهم "ما أنت إلا ممحياً وكتباً". فإذا أمرت من هذا قلت: امح والواو أفصح وبها نزل القرآن: "يمحو الله ما يشاء ويثبت". والمحو في اللغة تعفيه الأثر حتى لا يرى. حدثنا محمد بن الحسن البلعي، قال: حدثنا أبو حاتم قال: قيل للأصمعي: لم سمت العرب الشمال محوة؟ قال: لأنها تمحو السحاب ولا يرى شخصه. واستدعى أبو نؤاس أن يكثر المكاتب له المحو في كتابه فقال: أكثري المحو في الكتاب ومحي *** ه بريق اللسان لا بالبنان وأمري كلما مررت يسطر *** فيه محو لطعته بلساني فأرى ذاك قبلة من بعيد *** أسعدتني وما برحت مكاني وقال أبو نؤاس: يا ذا الذي قبلته فمحاه *** أخشيت أن تقرا حروف هجاه ظبي يرى التقبيل فيه مؤثرا *** فتراه منه كيف يمسح فاه ويظنه لكتابه في لوحه *** يبقى بقاءً دائما فمحاه يقال: عرضت الكتاب أعرضه عرضاً، إذا أمررته على طرفك بعد فراغك منه، لئلا يقع خطأ، وكذلك عرضت الجند. ولا تقل أعرضت الجند لأن الإعراض انصرافك بوجهك عن الشيء، وحقه في اللغة أنك وليته عرض وجهك قال عمرو بن كلثوم: وأعرضت اليمامة واشمخرت *** كأسياف بأيدي مصلتينا ويقول: صرنا إلى موضع رأينا منه عرضها أي جانبها فكأنها هي أريناه. وقد عرضت ما قلت على قلبي. وهذا خلاف العرض على العين، إنما يريد أفكرت فيما قلت. وعرض الرجل على ماله فهو عارض وعرض على فلان فهو معروض عليه. وقال ابن الأحنف: كأن خروجي من عندكم قدراً *** وحادثاً من حوادث الزمن من قبل أن أعرض الفراق على *** صبري وأن أستعد للحزن أنشد هذين البيتين محمد بن يزيد المبرد وقال: عمك إبراهيم بن العباس أحزم رأياً من خاله العباس بن الأحنف حين قال: وناجيت نفسي بالفراق أروضها *** فقالت: رويداً لا أعزك من صبري فقلت لها: فالبين والهجر راحت *** فقالت: أمني بالفراق وبالهجر فقلت له: إنه أخذهما أيضاً ابن الأحنف: عرضت على قلبي السلو فقال لي: من الآن فتش لا أعزك من صبر إذا صد من أهوى رجوت وصاله *** وفرقته جمر أحر من الجمر وأما قوله عز وجل: "وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضاً"، فإنه يقول عز وجل: أظهرناها لهم وأبرزناها، هكذا قال المفسرون. وعرضت المتاع على المشتري أبرزته له. وعرضت الحوض على الناقة إذا امتحنت عطشها. وقد قلبوا فقالوا: عرضت الناقة على الحوض كما قالوا: كانت عقوبة ما فعلت كما *** كان الزناء عقوبة الرجم فأما معارضة الكتاب فعرض واحد على الآخر حتى يستويا. قال: حدثنا أبو بكر قال: حدثنا المغيرة بن محمد المهلبي قال: حدثنا محمد بن عباد عن أبيه، قال: لحن أيوب في حرف فقال أستغفر الله. وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري وقد قرأ في كتابه لحنا: قنع كاتبك سوطا. حدثنا أحمد بن يحيى ثعلب، قال: كان ابن قادم مع إسحاق بن إبراهيم المصعبي فكتب كاتبه ميمون بن إبراهيم إلى المأمون كتاباً فيه: "وهذا المال مالاً يجب على فلان"، فخط المأمون على "مالاً" ووقع بخطه في حاشية الكتاب: أتكاتبني بلحن يا إسحاق؟! فاشتد ذلك عليه. قال: فحدثني ابن قادم، قال: أتاني ميمون فقال: الله الله في احتل لي. فحضرت فسألني إسحاق عن الحرف فقلت: الوجه وهذا المال مال، ومالاً يجوز على تأول، لأخلص الكاتب. فقال إسحاق لكاتبه: قد عفوت عنك فدعني من يجوز والزم صحيح الإعراب. قال: ثم أكب ميمون علي يقرأ النحو حتى فهم منه شيئاً كثيراً. حدثني أبو عبد الرحمن الألوسي العباس بن عبد الرحيم قال: سمعت عبد الله بن قتيبة يقول كتب إلي رجل من سر من رأى: قد قرأت كتابك المترجم بكتاب الكتاب وقد أعبت عليك فيه حرفاً. فكتبت إليه: وصل كتابك وفهمته وقد عبت عليك قولك وأعبت عليك والسلام. قال أبو بكر: هذا شيء يتسع فيكثر فجئت منه بطرف لأنه وحده يكون كتاباً كبيراً لو ذكرته. وقالوا: "اللحن في الكتاب، أقبح منه في الخطاب". وأكثر العلماء يلحن في كلامه لئلا ينسب إلى الثقل والبغض، فأما في الكتاب وإنشاد الشعر فإن ذلك قبيح غير جائز. يقال: لحن يلحن لحناً فهو لاحن إذا أمال الصواب عن جهة إلى جهة أخرى. وأما قوله عز وجل: "ولتعرفنهم في لحن القول"، فإن الكلبي يقول في لحنه في مداره. قال: وحقيقته في اللغة إمالة الشيء من جهته، إما لخطأ أو عمد، ليؤرى عن إرادته. قال القتال الكلابي: ولقد لحنت لكم لكيما تفهموا *** ووحيت وحياً ليس بالمرتاب وحكى الجاحظ في كتاب البيان والتبيين أنه يستحسن من الجارية اللحن وتكره الفصاحة. قال ولذلك قال مالك بن أسماء الفزاري: منطق رائع وتلحن أحيا *** ناً وأحلى الحديث ما كان لحنا فذهب بهذا إلى لحن الخطأ، وهو قبيح من مثله وخطأ فاحش عليه أن يتأول هذا، ثم لم يرض حتى احتج له. والذي أراد مالك أنها فطنة تأتي بالشيء تريد غيره وتميل ظاهره عن باطنه. وقد قيل للجاحظ: غير هذا في كتابك فإنه قبيح، فقال: افعل، ولكن كيف لي بما سارت به الركبان. ويقال من هذا: فلان ألحن بحجته من فلان، أبي ألحن بإمالة الباطل إلى الحق بفصاحته وعلمه. ويصدق ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعل أحدكم أن يكون ألحن بحجته من صاحبه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار". قال أبو بكر: حدثنا محمد بن يزيد قال: حدثني الجاحظ عن أبي عبيدة قال: رآني أبي وأنا أكتب كتاباً فقال: "يا بني اجعل فيه لحناً ليزول عنه حرفة الصواب". يقال: لحن الرجل يلحن لحناً إذا أخطأ بتسكين الحاء ولحن يلحن لحناً إذا أمال الشيء إلى الجهة التي يريدها. ويجعلون هذا مكان هذا، إلا أن الاختيار في الثاني فتح الحاء. قال ابن أم صاحب فحرك الحاء: غمست عنهم وما ظني مخافتهم *** وسوف يعرفهم ذو اللب واللحن غمست عميت. حدثنا أبو العيناء قال: قدم أبو علاء المنقري. من الأهواز فقال لي: يا أبا عبد الله ما أكبر دباءها وما أبخل أهلها! قلت: وما أكثر اللحن فيها! قال: كثير جداً. وكان فصيحاً على لحنه. حدثنا جبلة بن محمد الكوفي، قال: حدثني أبي قال: عاد بن أبي ليلى بعض أشراف الكوفة، وكان له أخ لحان، فجعل يقول: "يا أخي افتح عيناك حرك شفتاك كلم أبي عيسى". فقال له ابن أبي الحي: "أظن علة أخيك استماع لحنك". قال الصولي: وحدثنا أبو العيناء قال: قال رجل لأبي شيبة القاضي: علي كفارة يمين فبأي شيء أكفر. بدقيقا بسويقا. فقال الرجل: ما لحنت أطيب من لحنك. وقال له بن مصقلة: لو كان لحنك من الذنوب لكان من الكبائر. وقال أبو بكر وأنشدني عون بن محمد: لقد كان في عينك يا حفص شاغل *** وأنف كمثل العود عما تتبع تتبع لحناً من كلام مرقش *** وأنفك كمثل إيطاء وأنت المرقع حدثنا الباجي قال: كتب ابن الرومي كتاباً بخطه فلحن فيه إلى أبي الحسن محمد بت أبي سلالة وقد كان احتبس عن ابن الرومي فكتب إليه ابن الرومي وقد علم بذلك: ألا أيها الموسوم باسم وكنية *** وجدناهما اشتقا من الحمد والحسن أتبخل بالقرطاس والخط عن أخ *** وكفاك أندى بالعطاء من المزن أيغلق عني علمه بكتابه *** أخ لي وقلبي عنده علق الرهن عطفناك فاعطف إن كل ابن حرة *** أخو مكسر صلب وذو معطف لين وإن سقطاتي في كتابي تتابعت *** فلا تلحني فيما جنيت على ذهني حدثنا محمد بن القاسم بن خلاد قال: حدثني الأصمعي قال: دخلت على مالك بن أنس بالمدينة، فما هبت عالماً قط هيبتي له، فتكلم فلجن فقال: مطرنا البارحة مطراً وأي مطراً، فخف في عيني فقلت له: يا أبا عبد الله قد بلغت من العلم هذا المبلغ فلو أصلحت من لسانك! فقال لي: فكيف لو رأيت ربيعة بن عبد الرحمن؟! قلنا له: كيف أصبحت؟ فقال: بخيراً بخيراً. وما أحسن ما قال بعض الزهاد: "أعربنا في كلامنا فما لحن، ولحنا في كلامنا فما أعرب". يقال: وقعت في الشيء أوقع توقيعاً وكتاب موقع فيه ورجل موقع فإذا أمرت قلت: وقع فيه. وحقه في اللغة التأثير القليل الخفيف، يقال: دف هذه الناقة موقع إذا أثرت فيه حبال الأحمال - والدف الجنب - تأثيراً خفيفاً. وحكى العتبي أن أعرابية قالت لخل لها: حديثك ترويع وزيارتك توقيع. وقال جعفر بن يحيى لكتابه "إن استطعتم أن تكون كتبكم كالتوقيعات فافعلوا". يريد بذلك حضهم على الإيجاز والاختصار. وحدثني أحمد بن إسماعيل قال: حدثني أحمد بن محمد بن إسماعيل بن صبيح قال: كان أبو سلمة يوقع في الكتب: "آمنت بالله وحده". فخرجت لأبي اللفائف الكوفي صلة بكتاب من السفاح فجاء يناشد أبا سلمة وقد تأخر تعليمه فيه: قل للوزير: أراه الإله في الحق رشده الباذل النصح طوعاً *** لآل أحمد جهده أطلت حبس كتابي *** وحمله ثم رده يا واحد الناس وقع *** آمنت بالله وحده يقال أوجز في كلامه وكتابه وفعاله يوجز إيجازاً إذا أسرع وخفف. وموت وجيز وحي سريع. ورجل موجز إذا كان يفعل ذلك. ووجز الكلام بنفسه يجز وجزأ. قال رؤبة: ها وجز معروفك بالرماق يقال: علمت في الكتاب أعلم تعليماً إذا وقعت فيه خطاً تعرفه به ويعرفه غيرك. ولا تقل أعلمت فيه. ولا أعلمت عليه. ولا تعلمت فيه. ومن العرب من يقول: أعلم كذا وتعلم كذا بمعنى. وقال: تعلم أن سر الناس حي *** تنادي في شعارهم يسار فتعلم بمعنى إعلم.
|